كيف نتخلص من الإحباط و السلبية

قد يتعرض الإنسان في حياته اليومية للكثير من المشكلات ومواقف الفشل أو عدم الوصول للنجاح المرغوب فيه، بالإضافة إلى تعرضه لظروف أقل ما يمكن أن توصف بأنها سيئة أو محبطة، فعلى سبيل المثال: ما نعيشه اليوم في عالم الواقع من خلافات ونزاعات عربية وأخبار يومية مؤلمة , يثير الكثير من مشاعر الحيرة والإحباط وفقدان الأمل، وكأن باب الأمل بات مغلقًا، وأن ما بُني في سنوات كثيرة قد يهدم في لحظات أو أيام قليلة!   ولكن الرائي للواقع اليوم ينظر لما هو حاضر ولا يعلم ما هو آت، ولا ما يخبئه القدر له من أحلام وآمال قد تكون أفضل من الواقع، فعلينا التطلع للمستقبل بعين الأمل والتفاؤل بغد أفضل حتى لا نصل إلى مرحلة اليأس والقنوط من واقع مرير (النظر للجانب المليء من الكأس)، وعلينا أن نحاول رؤية عالمنا بأفضل مما هو عليه الآن، فنظر ببصرنا لإشراقة فجر جديد، فجر تشرق فيه شمس التطور والتغيير، والعدل والتسامح، والنهضة والعمران، والأمل في الله بتغيير الحال.

يعاني الشباب في فترة من حياتهم من الإحباط والغضب المرتبطين بصدمة أو خسارة، وقد يحاولون إخفاء مشاعرهم على أمل أن تزول، ولكن مشاعر الإحباط والغضب وغيرها من المشاعر السلبية لا تذهب من تلقاء أنفسها…حيث يؤثر الإحباط والغضب على الشباب في هذه المرحلة عاطفياً وجسدياً، وقد يتزايد الإحباط والغضب الذي لم يتم حله؛ حتى لا تستطيع  التعامل مع الآخرين، وقد يسبب الإحباط والغضب غير المعلنين مشاكل أخرى، مثل المرض الجسدي أو الاكتئاب.

 

  إن مشاعر الإحباط للفرد تأتي من عدم النجاح والفشل المتكرر في مواقف متعددة أو متتالية، وعدم القدرة على فعل ما يريد، كأن يبحث عن عمل ولا يجد ما يناسبه لعدة محاولات متتالية، أو يحبط نتيجة عدم التوصل لحلول للمشكلات التي يواجهها هو أو مجتمعه، وليس الفرد فقط من يقع بالإحباط واليأس، بل أحيانًا شعوب بأكملها تصل لحالة الإحباط.. فخروجها من مأزق ودخولها في مأزق آخر يتسبب في توليد مشاعر الإحباط واللاأمل.. ولكن الفشل وعدم تحقق الأهداف يفترض به أن يعلّم الإنسان مواقف جديدة للنجاح والتقدم نحو الأمام وتجاوز الواقع، فلا يرتكب الأخطاء نفسها، ولا يدع الزمان يكرر نفسه، بل يبحث عن حلول جديدة تعينه في واقع حياته، وفي تحسين ظروف مجتمعه.. فالناجح يرى من كل عقبة فرصة للتعلم والتقدم والنجاح، والمهزوم يرى من كل فرصة نجاح عقبة وإحباط!   لكي تقف من جديد بعد موقف تعثر وألم، وتخفف من آلامك وأحزانك ومشاعر الإحباط لديك؛ أنصحك بما يلي:

1/ اتبع سبيل الناجحين

اعلم دومًا أن الإنسان الناجح (والناجح فقط) هو من يتعرض للنقد والمحاربة ومحاولات الإحباط والتدمير.. فالبعض لا يحب أن يرى الآخرين بحال أفضل منه، أو يرى نجاحه بفشل الآخرين! فيعمل على محاربتهم، وتقويض نجاحاتهم بشتى الطرق! وما أكثر هؤلاء في زماننا! فلا تساعد أعداءك على تدمير ذاتك وتحقيق مخططهم، فتكون عدو نفسك، وتدمر إنجازاتك ونجاحاتك بنفسك وبأفكارك السلبية عن ذاتك وقدراتك! فركز على مصادر قوتك لا مصادر ضعفك.

 

2/ تجديد الاهداف والخطط

 عند الشعور بالإحباط والفشل جدد أهدافك وضع لنفسك خطة جديدة لتنفيذها وحاول التمسك بها ومتابعة تحقيق ما أمكنك منها، وعزز نفسك في حال نجاحك بتحقيق أحلامك وأهدافك.. فدائما خط بأناملك خطة جديدة تمحو بها إساءات الماضي.

3/ قوي من عزيمتك

 تذكر أن الأنبياء والعظماء والعلماء تعرضوا للكثير من مواقف الإحباط والفشل، ولكنهم لم ييأسوا من رحمة الله تعالى ومن إمكاناتهم {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87]، فالأنبياء استمروا في طريق الدعوة بكل ما أوتوا من قوة لإيصال الرسالة التي كلفوا بها، ولولا قوة عزمهم لضاقت بهم الأرض بما رحبت ولتوقفت دعوتهم منذ اللحظات الأولى في مسيرتهم، فليس لك أسوة خير من أنبياء الله تعالى في صبرهم وتحملهم الأذى ومواجهة مواقف الفشل والإحباط وكيفية تجاوزها، فتأمل قصة نوح عليه السلام مع قومه الذين لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم ويذكرهم بالله، وما آمن معه إلا قليل! وتذكر قصص سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مع قريش وعداءهم له وإيذاءه وإخراجه من بلدته، وتذكر قصة موسى عليه السلام مع بني إسرائيل، وقصة يوسف عليه السلام مع إخوته، وصالح عليه السلام مع قومه… لتأخذ العبرة وقوة التحمل. 

 

4/ حول تفكيرك واكتب ما بداخلك

من الخطوات التى تعين على التغلب من الإحباط والغضب هي إدراك أنك تشعر به. إذا كنت تشعر بالإحباط بداخلك ولست متأكداً مما يجب فعله حيال ذلك، فجرّب أن تحول تفكيرك ..تركيزك..من السهل جداً الوقوع في دوامة من الغضب واليأس عندما تكون محبطاً، حوّل تركيزك عن طريق الانخراط في أنشطة صغيرة، ولكنها صعبة. اتخذ الخطوات اللازمة لتجاوز الموقف المحبط، لكن لا تتجاهل كل شيء آخر من حولك.

اكتب عن ما بداخلك..اكتب كل مخاوفك وأحاسيسك ووصفها بتفصيل كبير ستشعر بتحسن مذهل. الكتابة لها هذا التأثير الجانبي المتمثل في خفض ما تكتب عنه، مما يجعله أكثر قابلية للتحكم به.

 حدث معظم حياتك اللاواعية أثناء نومك. حاول الذهاب إلى الفراش بفكر واضح لا تحاول إيجاد حل، فقط جهز نفسك للخروج من تلك الدائرة المحبطة. سيجد عقلك اللاواعي أثناء الليل موارد تجعلك أقوى.

قراءة شيء مضحك ..هذا لن يحل مشكلتك، في معظم الأحيان، لكن سيحول تركيزك إلى شيء آخر، مما يمنحك استراحة مؤقتة. لا تخطئ بين هذه التقنية وبين التجنب، فقط استخدمها كجلسة تهدئة، ثم عد إلى المسار الصحيح وحل كل ما عليك حله. إن السماح لنفسك بالضحك سيخفض من غضبك ويجعل الأمور أسهل في التعامل معها.

5/ التركيز على التفكير الإيجابي

يمكنك تعلم تحويل التفكير السلبي إلى تفكير إيجابي. يبدأ التفكير الإيجابي دائمًا بالحديث مع النفس. الحديث مع النفس هو تدفق ليس له نهاية للأفكار الخفية التي تجري في الراس. وقد تكون تلك الأفكار التلقائية إيجابية أو سلبية. يكون بعض حديثك مع النفس نتاجًا للعقل والمنطق. وقد يظهر حديث آخر مع النفس ناتج عن مفاهيم خاطئة تشكلت لديك بسبب نقص المعلومات.

إن كانت معظم الأفكار التي تجري في رأسك سلبية، فسوف تكون نظرتك للحياة على الأرجح متشائمة. وإن كانت معظم الأفكار التي تجري في رأسك إيجابية، فإنك على الأرجح شخص متفائل  أي شخص يمارس التفكير الإيجابي.

أحط نفسك بالأشخاص الإيجابيين. تأكد من وجود أشخاص إيجابيين وداعمين يمكنك الاعتماد عليهم لتزويدك بالنصائح والملاحظات المفيدة. وعلى الجانب الآخر، قد يرفع الأشخاص السلبيون مستوى التوتر لديك ويجعلونك تشك في قدرتك على التعامل مع الضغوط بطرق صحية.

 

6/ تجنب أسباب الإحباط لديك

اكتب ما يثير شعورك بالإحباط , هل يحدث عندما لا تتفق مع شريكك؟ أو عندما لا تحقق تقدماً في حياتك المهنية أو هوايتك؟ مهما كان اسأل نفسك أولاً: ما الذي يمكنني فعله لمنع هذا السبب في المقام الأول؟ على سبيل المثال: ضع هاتفك في وضع السكون خلال يوم العمل، إذا كنت لا تستطيع أن تمنع ذلك.. اسأل نفسك: ما الذي يمكنني فعله لتقليل الإحباط الناتج عن هذا السبب؟ على سبيل المثال، إذا شعرت بالإحباط بسبب عدم تحقيق تقدم مهني، حاول اكتشاف نقاط ضعفك وحاول تحسين مهاراتك، وإياك أن تقارن نفسك مع الآخرين في نفس المهنة، قد تكتشف أن ذلك أحد الحلول الجيدة لمشكلتك بالتالي تتلافى الإحباط.

7/ ممارسة الانشطة والتمارين الرياضية

هناك بعض التمارين والأنشطة الجسدية التي تساعد الشخص على التخلص من الإحباط عند قيامه بها ومنها:

ممارسة تمارين التنفس كالشهيق والزفير. ممارسة رياضة اليوجا. السفر. ممارسة الهوايات. التعرف على ثقافات جديدة. ممارسة التأمل فهو يساهم في تركيز العقل على حل المشاكل والتخفيف من الإحباط والتوتر.

8/ حسن إدارة الوقت

يوجد العديد من الطرق لإدراة الوقت بشكل أفضل، إلاّ أنّ المحبطين والأشخاص الفاقدين للحافز يميلون دومًا لتضييع وقتهم، إنّهم لا يحسنون إدارة وقتهم بكفاءة وبالتالي لا ينجزون بما فيه الكفاية، الأمر الذي يفقدهم الرغبة في فعل أيّ شيء. تذكّر أنّ الوقت مرن ويمكنك التحكّم فيه، بمجرّد أن تتغلّب على مشكلة إدراة الوقت، ستصبح أكثر حماسًا لأنك ستنجز مهمّات أكثر في وقت أقلّ. ذكّر نفسك دومًا أنّك انت المتحكّم الوحيد في حياتك وفي وقتك.

 

9/ وضع أهداف واقعية

 الأهداف الكبيرة والعظيمة، تعتبر في عالم الأعمال طريقًا وخطوة أولى للنجاح، لأنها تشعل الحماس وتزيد الدافعية. لكن، وبحسب بعض الباحثين وعلماء النفس، فقد تكون الأهداف الكبيرة سببًا للشعور بالإحباط بسبب تعقيدها والكمّ الهائل من العوائق التي قد تحول دون تحقيقها. في الواقع لا ضير من الأحلام والأهداف الكبيرة، فهي حقًا الخطوة الأولى للنجاح، لكن، وحتى لا تجعل منها سببا لفقدان الحافز والشعور بالإحباط، حاول دائما إلى تجزئة هدفك الأكبر إلى تحدّيات صغيرة ومشاريع قصيرة الأمد، الأمر الذي سيعود عليك بنتائج سريعة وبالتالي يزيد من حافزك ويشعل حماسك للاستمرار.

10/ اقتناص الفرص

 هل سبق أن لاحظت ما يقوله لك الأشخاص المحبطون من أن الحظّ لا يحالفهم أبدًا؟ في الواقع، المشكلة تكمن في هؤلاء الأشخاص أنفسهم، وليس في الحياة من حولهم…ذلك أنهم لم يسعوا أبدًا لاقتناص الفرص التي تقودهم إلى النجاح والثروة والسعادة. كن واثقًا دومًا من أن الحياة مليئة بالفرص التي تنتظر من يستغلها. كلّ ما عليك فعله هو أن تبدأ بالبحث عن هذه الفرص، تعلّم أن تجازف قليلاً وتخرج عن منطقة الراحة الخاصّة بك. تذكّر دائمًا أنك لن تصل أبدًا مرحلة الاستعداد التام، لذا بدلاً من إضاعة الوقت، انطلق في الحياة واسعَ لتجربة أشياء جديدة حتى لو لم تكن مستعدّا لها.

 

11/ اكثر من الدعاء والتضرع الى الله

 إن اصابتك مشاعر الإحباط فعليك بالتضرع لله عز وجل بالدعاء وقراءة القرآن الكريم والصلاة، فإنك حتما ستجد بها ما يسليك ويخفف عنك ويعينك على الخروج من واقعك المؤلم ويوصلك لحياة أفضل وأفكار أجمل، فلا يملك تغيير الحال إلا رب الكون ومدبر الشؤون والأحوال. ولكن إياك والاعتراض على قدر الله تعالى وما كتب لك، لأنك لا تعلم المستقبل، ولا تعلم أين سيكون الخير، فقد يكون الواقع في ظاهره العذاب ولكن في باطنه الرحمة، فلا يعلم الغيب إلا الله تعالى. فتذكر مثلا عندما تعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم لموقف أليم محبط عند دعوته أهل الطائف حيث صدوه وآذوه وأخرجوا فتيانهم وصبيانهم ليرموا عليه الحجارة حتى أدموا قدميه الشريفتين، فجلس على إثرها ملتجئا لله تعالى بالدعاء والمناجاة بكلمات عذبة منها: «إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي، لكن عافيتك هي أوسع لي»، ففي قمة موقف الشدة والابتلاء تخرج كلمات التوكل على الله تعالى وطلب الرحمة منه، فتنزل على قلبه الطمأنينة وراحة النفس، ثم يبشره جبريل عليه السلام برضا الله تعالى، بل وباصطحابه في رحلة عليا مميزة فريدة.. رحلة الإسراء والمعراج لرؤية السموات السبع، ورؤية الجنة والنار، والدخول في عالم الغيبيات الإلهية بتقدير الله تعالى ورحمته، فلا رحمة أعظم من رحمة الله تعالى.   وأخيرًا، اعلم أن بقاء الحال من المحال، فما تعيشه من إحباط وألم لن يدوم، وكلما ازداد الكرب والألم والضيق اقترب الفرج، قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف: 110].. فعليك بالإصرار والعزيمة على النجاح والتغيير والوصول للمبتغى، فنقطة الماء كفيلة بأن تثقب الصخر إن قُرنت بالمداومة! د. آندي حجازي المصدر: مجلة الوعي الإسلامي- العدد 585